دكتور عبد الناصر سلم يكتب : نظام الإدارة الأهلية والنزاعات القبلية الواقع والحلول

96

 

*مدير برنامج شرق افريقيا والسودان وكبير الباحثين فوكس السويد

اثار حديث نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو في الجنينة بالأذاعة السودانية حول دور الإدارة الاهلية السالب في النزاعات القبلية جدل كثيف في مواقع التواصل إلاجتماعي لجهة ان الحديث كان شفافا وتناول قضية حساسة يعاني منها المجتمع السوداني حيث اتهم دقلو جهات أمنية باثارة النزاع في دارفور .

تاريخ الإدارة الأهلية
بالعودة لتاريخ الإدارة الأهلية بالسودان
ويعود تاريخ إنشاءؤها بحسب تقارير إعلامية إلى العام ١٩٣٦ ابان فترة الحكم البريطاني للسودان.

ولكن في عهد الرئيس السابق جعفر نميري (1969-1985) جرى تصفية نظام الإدارة الأهلية واستعيض عنه بقانون الحكم الشعبي المحلي، وعلي العكس تماما وجدت الإدارة الأهلية اهتمام ومكانة خلال فترة نظام الرئيس السابق عمر البشير (1989-2019) فسُيّست الإدارة الأهلية لدرجة وصفها البعض بالإنتهازية واصبح لها أدوار سياسية مختلفة خلال تلك الحقبة لدرجة تجاوزت حتي حدودها التي منحتها لها سلطة الإنقاذ واصبحت السيطرة عليها صعبة وعلي سبيل المثال للحصر اجبرت الإدارة الأهلية نظام البشير علي إلغاء انتخابات الشوري لإختيار ولاة الولايات .

تعريف النظام الأهلي
تعرف الإدارة الأهلية في السودان، بأنها نظام أهلي مجتمعي يهدف إلى تنظيم سبل التعايش السلمي، ومراقبة الخدمات وحلحلة النزاعات وسيادة القانون وفق الأعراف ورعاية العلاقات الودية بين مناطق التماس القبلي خاصة بين المزارعين والرعاة.

ويبلغ عدد القبائل في السودان حوالي (٥٧٠) قبيلة تتحدث اكثر من (١٠٠) لغة ولهجة ويسود النظام القبلي معظم ولايات البلاد ويتمتع الزعيم القبلي والأهلي بنفوذ وسط معظم الولايات السودانية ماعداء الولايات الشمالية بدرجة أقل .
حجم الإدارة الاهلية
هذه المقدمة التاريخية توضح حجم الإدارة الأهلية في السودان ولذلك هي جزء من تاريخ السودان وليست صنيعة للحكومات بل الاستعمار ولكنها تتغزم وتكبر حسب طبيعة ونوع النظام السياسي والحكم لذلك الفكاك منها يتطلب وقت طويل ولن يتم بين ليلة وضحاها.

بالعودة لحديث نائب رئيس مجلس السيادة في الجنينة حول النزاعات واتهام الإدارات الأهلية بالوقوف خلف هذه النزاعات ينبغي ان يكون بداية للحل باعتباره تنبيه بخطورة الوضع فالسيد النائب الأكثر احتكاكا بالمكونات القبلية في السودان ويدرك حجم المخاطر وطبيعة الصراعات التي يمكن ان تنجم جراء القتال القبلي الذي يدور شرقا وغربا وجنوبا .

ماتم في الجنينة من مصالحات قبلية يعتبر بداية لوأد هذه النزاعات المستشرية في الجسد الدارفوري ولكن هذه الاتفاقيات بين القبائل يجب ان تحصن بالمتابعة والإرادة السياسية فكثيرا ماتوقع اتفاقيات صلح ولكنها تمزق مع أول طلقة أو طعنة او حادث سرقة أو اعتداء لأحد المواطنين في القبيلة واحيانا كثيرة يكون الحادث مفتعل لضرب هذه الاتفاقيات .

اعتقد ان الاحتكام للقانون وتقوية المركز ضرورية جدا فالانتماء للقبيلة اصبح اقوي في ظل تراجع الأوضاعةالسياسية والأمنية والاقتصادية والفوضي التي تضرب البلاد .

ليست هنالك منطقة بالسودان محصنة تماما من هذه النزاعات القبلية بزور الفتنة موجودة في كل مكان لطبيعة السودان ليست هنالك أرض او ولاية تسكنها قبيلة واحدة لذلك اندلاع صراع قبلي يبقي وارد بل احيانا يحدث الصراع داخل القبيلة الواحدة بين بطونها وهذا طبعا مؤشر لتعقيدات القضية وصعوبتها .

يكاد يكون السودان من الدول القلائل التي لازالت فيها الصراعات القبلية تعصف بالمجتمع ورغم ان السودان نال استقلاله مبكرا منذ العام ١٩٥٦ إلا ان هنالك دول أفريقية نالت استقلالها بعده بعشرات السنين وتجاوزت مشاكلها الإجتماعية ونزاعاتها الداخلية قبل السودان مثل روندا وبتسوانا وليبريا .

كمية النشر السالب للصراعات القبلية في وسائط التواصل الإجتماعي اصبح يغذي الصراعات القبلية لذلك يجب يسنم كل فرد بروح المسؤولية والرقابة الذاتية في عدم نشر أي اخبار تضر بالسلم والأمن الاجتماعي

الأجهزة الأمنية يجب ان يكون لها دور كبير في حل النزاعات بتقوية هذه الاجهزة وتحصين منسوبيها من الدخول في اتون هذه الصراعات

الحلول
لانبرئ الدولة من مسؤولياتها تجاه حسم هذه الصراعات القلبية فهي المسؤول الأول عن حفظ الأمن والأستقرار المجتمعي ولكن ذلك يتطلب المهنية والحياد لمنسوبي الأجهزة الأمنية في الصراعات القبلية والتعامل بحسم في هذا الملف بما يضمن هيبة الدولة.

ثانيا إلغاء القوانين الخاصة التي تمنح الإدارة الأهلية مساحة لممارسة العمل السياسي واجازة قانون جديد للادارات الأهلية يحدد دورها في النشاط الإجتماعي وفق القانون .

ثالثا لانريد إلغاء الإدارة الأهلية تماما كما فعل النميري ولكن تفصيل قانون جديد يتناسب مع دورها الاجتماعي فالتجارب اثبتت فشل وضعف تجربتها السياسية القائمة علي المصلحة كما أن قضايا الديات في القتلي التي تدفعها القبيلة اثبتت ايضا انها افشل تجربة لذلك لابد من سيادة حكم القانون في هذه الناحية تحديدا.

رابعا من المهم جدا تطبيق اتفاقية السلام وخاصة بند الترتيبات الأمنية واعادة النازحين واللاجئين لقراهم وتخطيط دائم لمسارات الرعاة والمزارعين ونشر ثقافة السلام والتسامح.

واخيرا كما زكرنا لانبرئ الدولة من مسؤولياتها ولكن قطاعات المجتمع الآخري يجب أن تشارك في رتق النسيج الإجتماعي عبر برامج ثقافية ورياضية ودينية وزيارات إجتماعية

التعليقات مغلقة.

error: Content is protected !!