الشلوخ وشم سوداني هل في طريقها للاندثار؟
الخرطوم – عرف السودانيون عادة الشلوخ منذ القدم، خاصة في أقصى الشمال، وهي علامات في شكل خطوط على الوجه، بعضها على هيئة خطوط أفقية مستقيمة وأحيانا مائلة، وبعضها هلالية الشكل عند الرجال والنساء، ويرى مؤرخون أنها بدأت منذ عام سبعمئة وخمسين قبل الميلاد.
والشلوخ عادة عربية وسمة تميز العرب في السودان عن سواهم من الشعوب الأخرى، كالنوبيين ومن نزحوا إلى السودان خلال القرن التاسع عشر، كالمصريين والشوام والأتراك، ولم يعثر على إشارة صريحة لانتشار عادة الشلوخ بين العرب في جزيرتهم، لكن العرب يستعملون ألفاظا أخرى للدلالة على عمليات شبيهة بالشلوخ كالفصد والوسم والوشم واللعوط والمشالي.
ولفظة الشلخ وردت في تاج العروس بين جواهر القاموس، وفيها أن الشلخ هو الأصل والعرق (ونجل الرجل)، والشلخ عند العامة لحاء الغصن والشجرة.
ومع انتشار الوعي الثقافي والتحرر من العادات البالية توقفت هذه العادة، إلا في القليل من البقاع الريفية النائية. ويعتقد بأن هذه العادة مرتبطة بتاريخ الرق القديم، إذ أن عدم إمكانية إزالتها هو بمثابة انتماء حي لا يقبل الاختراق.
وفي المناطق الشمالية من السودان، وهي الأكثر تمسكا بهذه العادة، نجد انتشار الشلوخ ذات الخطوط العمودية الثلاثة وكذلك الخطوط الأفقية، وهذه الشلوخ منتشرة في هذا الوقت عند قبيلة المحس وشلوخهم طويلة ورفيعة، وعند قبيلتي الدناقلة والبديرية نجد الشلوخ طويلة وعميقة وعريضة تملأ سائر الخد.
وفي واقع الأمر، فإنه مع التزام القبيلة بشلخ واحد على صورة معينة، فإن الشكل النهائي لذلك الشلخ يختلف في بعض تفاصيله من بطن لآخر وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ويرجع ذلك إلى الطريقة التي يختارها الشلاخ -من يقوم بعملية الشلخ-، وعادة ما تجري عملية الشلوخ للذكور في سن مبكرة لا تتجاوز الخامسة على الأرجح، وتؤخر عند الإناث ربما حتى يبلغن العشر سنوات، حيث تتفتح معالم الوجه ويكتنز ويسهل اختيار الصورة المناسبة للشلخ.
|
وتنفرد قبيلة الشايقية في السودان بشلخ خاص بها، وهو عبارة عن ثلاثة خطوط أفقية متوازية يمتد أوسطها من عند الفم حتى أقصى الخد.
أما قبيلة العبدلاب في شمال السودان الغربي فلنسائها شلخ خاص بهن، عبارة عن ثلاثة خطوط عمودية تسند على خط أفقي يسمى “العارض”، ومن نساء قبيلة العبدلاب انتقل العارض إلى المناطق الأخرى حيث فضلته الكثير من النساء على سواه لجمال منظره. وفي المنطقة الوسطى من حوض وادي النيل ازدهرت الشلوخ ذات المدلول القبلي، ومنها انتقلت نفس الشلوخ إلى بعض أقاليم السودان الأخرى عندما هاجر ممثلو القبائل التي كانت تعيش في تلك المنطقة سعيا وراء الرزق والتجارة، فحملت نماذج من الشلوخ معها ومنها انتقلت إلى بعض المجموعات على سبيل التقليد أو نتيجة الاختلاط وارتباط عادة الشلوخ بمدلولها كشارة تميز قبيلة عن أخرى، وهو شيء لم يقلل من المضمون الجمالي للشلوخ، خاصة عندما قلت الحاجة للتمييز بين القبائل لاستتباب الأمن عامة ونتيجة التداخل بين تلك الجماعات القبلية بصفة خاصة.
وعندها اكتسبت الشلوخ مفاهيم جديدة منها الجمالي، برغم أن النساء كن في بادئ الأمر يلتزمن بتلك الشارات القبلية كالرجال تماما، إلا أن قلة تعرضهن للأخطار وهن في الحضر وعدم خروجهن خارج حمى القبيلة جعلا الاحتفاظ بالشلوخ ذات المفهوم القبلي أقل ضرورة لهن.
وانتشرت عادة الشلوخ في كثير من البلدان الأفريقية مثل إثيوبيا ونيجريا وإريتريا، وتوجد خاصة بين المسلمين.
وبمرور الزمن اتسم الشلخ عند نساء الحضر بالطول والعمق والتنوع، ومازالت عملية التشليخ مهنة فنية دقيقة تقوم بها شلاخات متخصصات يتوسمن في صنعتهن ما يرضي الذوق وما يناسب وجه المرأة، ولوحظ أن عامة السودانيين كانوا يفضلون الشلوخ الطويلة العريضة والعميقة المرسومة على وجه عريض أو مستدير ومكتنز باللحم، إذ أنها تبدو منتفخة ومن ثم أكثر جاذبية منها على المرأة النحيفة.
وقد تأثر السودانيون بهذا المفهوم الجمالي من عملية الوشم التي تزين وجوه الكثير من النساء في أجزاء واسعة من الشرق الأوسط، ولكن سواد بشرة السودانيات قد لا يساعد كثيراً على إظهار الوشم ولذا تقل قيمته الجمالية، ولهذا اكتفين بإجراء عملية الوشم على الشفتين، كما هو الحال عند الكثير من السوادنيات حتى وقت قريب.
التعليقات مغلقة.