عثمان ميرغني يكتب : أخطر 3 دقائق و39 ثانية.. (وسال الدم بأرض الوادي)
الخرطوم سودانية 24 لايف
إستكمالاً لما كتبته هنا أمس؛ قلت بعد انتصار الثورة مباشرة..الجانب العسكري الذي كان يفاوض الحرية والتغيير للبحث في مستقبل الدولة السودانية، كان يتوقع خطة كاملة ومتكاملة من جانب وفد الحرية والتغيير لتدشين مرحلة ما بعد سقوط دولة البشير، وكان يتوقع من أول اجتماع أن يقرأ وفد الحرية والتغيير من ورقة معدة بإحكام تفاصيل عملية “التسليم والتسلم” بين سلطة الأمر الواقع العسكري التي أطاحت بالنظام البائد، والسلطة الجديدة التي تنشأ بموجب الثورة المنتصرة.
لكن الوفد العسكري أذهلته المفاجأة..
من أول اجتماع اكتشف أن لا خطة ولا خارطة طريق ولا هياكل ولا تسليم وتسلم ولا يحزنون..
بل والأدهى وأمر، إكتشف إن وفد الحرية والتغيير بلا (هوم ويرك) مسبق يدخل الاجتماع يحمل أراء بعدد الذين هم داخل القاعة منهم.. وأحياناً أكثر فلربما لشخص واحد أكثر من رأي!!
بعد هذا الاجتماع ، كأني بلسان حال المكون العسكري يقول (آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه..) على سياق ما قاله الإمام أبو حنيفة عندما رأي في مجلسه شخصاً وقوراً تزيده مهابة ثيابه الباهرة، فظل الإمام يلقي الدرس ضاماً رجليه إليه متهيباً مقام الرجل الذي لا يعرفه، وعندما فتح باب الأسئلة، سأله الرجل سؤالاً غبياً فقال أبوحنيفة تلك المقولة التي صارت مثلاً.
منذ تلك اللحظة تغيرت المعادلة، من عملية “تسليم وتسلم” إلى “فضل ظهر”.. أن يسمح العسكريون للمكون المدني بفضل ظهر في السلطة.
وانتقل المجلس العسكري من مقره في القيادة العامة إلى القصر الجمهوري.. هذا القصر الذي نسي من شيده أن يصنع له “بوابة خروج”.. فهو قصر باتجاه واحد.. من دخله لا يخرج منه إلا (نزعاً).
و للدهشة كأنما اقتنع وفد الحرية والتغيير بأنه يخوض مفاوضات “التماس” من الطرف صاحب السلطة.. بدأت الطلبات الغريبة، الحرية والتغيير تطلب من المجلس العسكري إقالة رئيس القضاء.. ويستجيب المجلس بمنتهى السعادة، فالطلب والاستجابة هنا عقد زواج بين من يملك السلطة ومن يعترف له بأنه مالك السلطة.. ثم طلب بإقالة النائب العام، ويستجيب المجلس العسكري.. ثم طلب بإقالة وكيل وزارة الإعلام عبد الماجد هارون.. ويستجيب المجلس العسكري.. وتستمر الطلبات وتستمر الإستجابة.. ويستمر تعزيز سلطة المجلس العسكري حاكماً بإقرار واعتراف الجهة التي تطلب منه قرارات سيادية ويستجيب لطلباتها..
ومع استمرار جولات التفاوض بين وفدي المجلس العسكري والحرية والتغيير بدت الصورة أقرب إلى حزب حاكم يملك السلطة يفاوض أحزاب معارضة لا تملك السلطة.
ويبدو في النهاية من باب الطمع قرر المجلس العسكري أن يستأثر بالسلطة كلها.. و همس الشيطان في أذن المجلس العسكري // أقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخلُ لكم وجهُ (السلطة) وتكونوا من بعده قوماً صالحين //.. فكانت مقتلة ساحة الإعتصام الشهيرة .. وحدث ما حدث..
في ظل الإحساس بالندم على ضياع الفرصة.. وخشية أن يكتشف الثوار أن الكرة التي أوصلوها بالدم إلى منطقة الجزاء أمام المرمى الخالي قد أطاح بها المهاجمون فوق العارضة.. أطلقوا شعار (مدنياااااااو)..
التعليقات مغلقة.