محمد عبد الله كوكو يكتب : لماذا هذا النشاط القبلي؟!

70

 

القبلية قد تكون مذمومة شرعا وقد تكون مطلوبة شرعا وهذا ما سوف نبينه بالادلة في هذا المقال …فالقبلية المذمومة هو تعصبك لقبيلتك سواء كانت على حق او على باطل وان يكون ولاءك لها مقدما على الولاء للدين والوطن وان تفتخر بننسبك على الاخرين وغير ذلك ..اما المحمودة فانها تكون لنصرة الدين والوطن والتعارف الذي به تؤدى الحقوق وتحفظ الواجبات وغير ذلك كما سنبينه في هذا المقال…والنشاط القبلي في السودان هذه الايام من هذا القبيل .فعندما رات هذه القبائل ان الدين والوطن في خطر بعد جاء حكام عملاء لتنفيذ اجندة اسيادهم من يهود ونصارى وماسونية عالمية لطمس هوية السودان الاسلامية وتقسيمه الى دويلات يسهل ضربها بعد تفكيك القوات المسلحة والقوات النظامية الاخرى نظمت هذه القبائل نفسها للدفاع عن الدين والوطن والوقوف في خندق واحد مع قواتها المسلحة وقد رفعت قبيلتي ”(المسلمية) راية نصرة الدين والوطن كما نصرته من قبل وكبري المسلمية خير شاهد على ذلك …وكل القبائل فعلت ذلك فلا مجال للعملاء لبيع الوطن…..فالله سبحانه وتعالىيقول:: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]. هؤلاء هم الناس؛ أفرادٌ وأسر، عائلاتٌ وقبائل، أقوامٌ وشعوب. فالعرب ينتسبون لقبائلهم، وغيرهم من العجم ينتسبون إلى شعوبهم، وجعل الله ذلك في البشر للتعارف والتآلف، وكَرَمُ الإنسان عند الله تقواه، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وللقبيلة والعائلة شأنٌ عظيمٌ وأهميةٌ كبيرة، في الحفاظ على الفردِ والجماعة، والأسرةِ والمجتمع، مما يعود نفعُ ذلك على البلاد، والوطنِ والعباد، احتاج نبيُّ اللهِ لوطٍ عليه السلام -في أحلك الظروف- إلى قبيلة تحميه، وركنٍ يؤويه، ليدافعَ عن أضيافه، لما هجم عليه الرَّعاع، والسَّفِلةُ السفهاء، {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80]. وما منع قومَ شعيبٍ عليه السلام من التعرُّض له إلا قبيلتُه ورهطُه، دعا قومه إلى التوحيد، وأمرهم بالإنصاف وعدم الظلم، ضجروا من تهديده ووعيده، وتخويفه من عقاب الله، فلما أطال عليهم الكلام {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ. قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [هود: 91-92]. القبيلة “نفع الله بها نبيَّه صالحًا أيضًا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كما أشار تعالى لذلك بقوله: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ . قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل:48-49]، فقد دلَّت الآية على أنهم يخافون من أولياء صالح، ولذلك لم يُفكِّروا أن يفعلوا به سوءاً إلا ليلًا خفية. وقد عزموا أنهم إن فعلوا به ذلك أنكروا وحلفوا لأوليائه أنهم ما حضروا ما وقع بصالح خوفًا منهم” (القبلية في ميزان الشرع وحقيقة تكافؤ النسب في الزواج؛ ص: [4]، بتصرُّف) وارتدع المشركون من التعرُّض للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ما دامت قبيلتُه قريش وعمُّه أبو طالب الذي يدافع عنه عصبية، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: “وَنَحْنُ حِينَ نُصَرِّحُ بِمَنْعِ النِّدَاءِ بِالرَّوَابِطِ الْعَصَبِيَّةِ وَالْأَوَاصِرِ النِّسْبِيَّةِ، وَنُقِيمُ الْأَدِلَّةَ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ؛ لَا نُنْكِرُ أَنَّ الْمُسْلِمَ رُبَّمَا انْتَفَعَ بِرَوَابِطَ نِسْبِيَّةٍ لَا تَمُتُّ إِلَى الْإِسْلَامِ بِصِلَةٍ، كَمَا نَفَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ عَطْفَ ذَلِكَ الْعَمِّ الْكَافِرِ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنَنِ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:6]؛ أَيْ: آوَاكَ بِأَنْ ضَمَّكَ إِلَى عَمِّكَ أَبِي طَالِبٍ. وَمِنْ آثَارِ هَذِهِ الْعَصَبِيَّةِ النِّسْبِيَّةِ -النافعة- قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ، حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينًا” (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: [3/45]). “مسألة مهمة ينبغي التطرُّق لها بوسطية؛ وهي أن القوميَّةَ وروابطَ وأواصرَ النسبِ ربما انتفع بها المسلم، بل قد ينتفع بها الكافر، وقد تكون محمودة ما لم يخرج ذلك إلى تجاوز حدودِ ولاءِ المؤمنين، والبراء م” ن الكافرين. كأن تُقدَّمَ على أواصرِ الدين ورباطِ التقوى، فإذا لم تتجاوزْ الحدَّ، وكانت خاضعةً للرابطةِ الإسلامية، وعرى العقيدة، فلا إشكال، وإنما الإشكال في استبدالها بها، وعلى كل حال تظلُّ لأواصرِ النسبِ والصلةِ فائدتُها وأثرُها حتى بين الكفار” (القبلية في ميزان الشرع؛ ص: [4]، بتصرف). “والقبلية -بصفة عامة- لا تُذمُّ فهي قدرٌ كونيٌّ، فالله تعالى هكذا خلق عبادَه شعوبًا وقبائل، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]. إن القبلية تصنع -في كثير من الأحيان- نوعًا من الوحدة بين أبنائها؛ فإذا ارتقى هذا الفهمُ الوحدويُّ القبليُّ إلى أنَّ هذه الوحدةَ القبليَّةَ يجبُ إدخالُها في وحدةٍ أسمى منها هدفًا ونوعًا، وهي وحدةُ الأمةِ الإسلامية كان ذلك تمهيدًا لوحدة المسلمين وهي غاية منشودة” (القبلية في ميزان الشرع؛ ص: [5]، بتصرُّف). لقد أوجد الله الشعوب والقبائل للتعارف والتآلف بين البشر، لا للتنازع والتخالف، فالتفرق بين الناس والاقتتالُ والتنازع ينشأ من كلمةٍ أو جملة، من أجلِها تغضبُ قبائلُ بأكملِها، وتقتتِلُ شعوبٌ بأسرها، فمن أسباب اندلاعِ الحروب، بين القبائل والشعوب؛ ربما كانت كلمة! مقصودةً أو غيرَ مقصودة. قال بعضهم: “من أسباب وقوع الغزو: أثرُ العلاقات الشخصية بين سادات القبائل، من زواجٍ وطلاق، ومن حسدٍ وتنافس، ومن كلمةٍ نابيةٍ قد تثير حربًا بين قلبي شخصين متنافرين، ومن عملِ سفيهٍ جاهلٍ يثير غزوًا وحربًا بسبب عصبيَّةِ قومِه لَه، ودفاعِ الجانبِ الآخرِ عن صاحبِهم حميَّةً وغَيرة… إلى غير ذلك؛ من عواملَ معقولةٍ مفهومةٍ، وعواملَ تافهةٍ سخيفةٍ، تجدُ لها معَ ذلك مكانةً في القلوب؛ فتثير غزوًا، وتسبِّبُ نكبةً لأُناسٍ مساكينَ فقراء، لا دخلَ لهم في كلِّ خصومة، وكلُّ ما لهم أنهم من قومٍ غضبَ عليهم قومٌ آخرون، فزادوا في تَعاسةِ إخوانهم المغزوِّين، والغازي والمغزوُّ مع ذلك معدَمٌ محرومٌ من النعم التي وهبها الله لغيرهم من البشر…” (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: [10/ 6]). “ومن الضروريِّ أن تكونَ هذه الوحدةُ القبليةُ دائرةٌ في فلكِ الوحدةِ الإسلاميةِ الكبرى ومغذيةٌ لها، وعند أيِّ تعارضٍ بين الوحدتين تُقَدَّم الوحدةُ الكبرى ومصالحُها على الوحدةِ الصغرى، ولعلَّ تحقيقَ هذه الوحدة القبليةِ الصغرى بهذا الفهم؛ من الأسباب التي لأجلها أمرَ الإسلام بصلة الأرحام، وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصل ذوي رحمِه، وأقاربِه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، وقد جعل الإسلام كثيرًا من الأحكام تتعلق بالعشيرة؛ مثل الميراث والعقل وغيرها. ومما يجب على المسلم أن يتجنَّب من سلبيات القبلية: التفاخر بالأنساب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ» (سنن أبي داود: [5116]). كما يجب تجنُّبُ العصبيةَ القبلية؛ وهي أن يغضبَ المرءُ لغضبِ القبيلة ولو كان غضبها لباطل، ويرضى لرضاها ولو كان عن باطل، وهذه هي حالة الجاهلية؛ عبَّرَ عنها شاعرُهم “دريد بن الصمة”، فقال: وهلْ أَنَا إِلا من غَزيَّةَ إِنْ غَوَتْ ***غَوَيْتُ، وإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشدِ وقول الآخر “أبو تمام”: لا يَسْألونَ أخاهُمْ حينَ يَنْدُبُهُمْ *** في النائِباتِ على ما قالَ بُرْهانا ومن السلبيات بالغة الضرر؛ احتقار المسلمين والآخرين لنسَبهم المتواضع. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» (رواه مسلم: [2564]). فمتى ما انتفت هذه السلبيّاتُ عن القَبَليّة أثمرت خيرًا على المجتمع، فزادت بها وحدتُه، وقويت بها شوكتُه، وصلُحَ بها أمرُه، ومتى اقترنت بها تلك الآفاتُ كانت آثارُها على المجتمع مدمِّرة وسيئة” (القبلية في ميزان الشرع؛ ص: [5-6]، بتصرُّف). أمَّا السبُّ والشتمُ بين القبائلِ والعائلات، والاتهامُ بالباطلِ للآخرين، والطعنُ في الأنسابِ؛ لا يأتي إلاَّ بالفتن، والضغائنِ والأحقادِ والإحن، وهي من أمر الجاهلية، عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: “لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ…» (رواه البخاري: [30]). هذا لأنه قال له: “يا ابن السوداء”، وأمه حقيقةً سوداء، اعتبر ذلك من الجاهلية، فكيف بما هو أدهى من ذلك من أنواع التعيير؟! وثبت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ» (رواه مسلم: [934]). من رأيتموه يفخر بنسبه ويطعن في غيره فاعرفوا أن فيه من أمر الجاهلية. إنّ احتقارَ الآخرين، والتعاليَ على إخوانك من المؤمنين، ليس من صفاتِ أولياء الله المخلصين، ولا أحبابِه المسلمين، قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى؛ بُولَسَ! تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ؛ طِينَةَ الخَبَالِ» (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ: سنن الترمذي: [2492]، صحيح الجامع: [3129]). لم يخلُق الله قبيلةً ولا عائلة، ولا شعبًا ولا أمَّةً منزهةً عن الخطأِ والزلل، ولم يجعل الله سبحانه شخصًا من الأشخاص، ولا فردًا من الأفراد، ولا وليًّا من الأولياء، ولا صالحًا من الصالحين معصومًا مبرءًا من العيوب والأخطاء، إلاَّ الملائكة والرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فيا أيها المحتقر غيرك! هلا تذكرت نفسك، وما فيها من عيوب وأخطاء! يا أيها الطاعن في الأنساب! لا تفتخر بنسبك على غيرك، فلربما كان أحد الأجداد كافرًا! فهذا من دعوى الجاهلية التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «…وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟! قَالَ: «وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ المُؤْمِنِينَ، عِبَادَ اللَّهِ». سنن الترمذي: [2863]). عَنْ قَتَادَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ رضي الله عنهما قَالَا: “كَانَ بَيْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ شَيْءٌ، فَقَالَ سَعْدٌ وَهُمْ فِي مَجْلِسٍ: “انْتَسِبْ يَا فُلَانُ!”، فَانْتَسَبَ، ثُمَّ قَالَ لِلْآخَرِ، ثُمَّ لِلْآخَرِ، حَتَّى بَلَغَ سَلْمَانَ، فَقَالَ: “انْتَسِبْ يَا سَلْمَانُ!”، قَالَ: “مَا أَعْرِفُ لِي أَبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَكِنِّي سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ”، فَنَمَى ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ وَلَقِيَهُ: “انْتَسِبْ يَا سَعْدُ!”، فَقَالَ: “أُشْهِدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!”، قَالَ: “وَكَأَنَّهُ عَرَفَ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ حَتَّى انْتَسَبَ”، ثُمَّ قَالَ لِلْآخَرِ، حَتَّى بَلَغَ سَلْمَانَ، فَقَالَ: “انْتَسِبْ يَا سَلْمَانُ!”، فَقَالَ: “أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ بِالْإِسْلَامِ، فَأَنَا سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ”، قَالَ عُمَرُ: “قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْخَطَّابَ -والد عمر- كَانَ أَعَزَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَا عُمَرُ ابْنُ الْإِسْلَامِ، أَخُو سَلْمَانَ فِي الْإِسْلَامِ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا؛ لَعَاقَبْتُكَ عُقُوبَةً يَسْمَعُ بِهَا أَهْلُ الْأَمْصَارِ، أَمَا عَلِمْتَ -أَوَمَا سَمِعْتَ- أَنَّ رَجُلًا انْتَمَى إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَانَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ، وَانْتَمَى رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَرَكَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ، فَكَانَ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ” (جامع معمر بن راشد [11/438]، رقم: [20942]). قَالَ مَالِكٌ فِي (الْمُدَوَّنَةِ): “مَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يَا حَبَشِيُّ، أَوْ يَا فَارِسِيُّ، أَوْ يَا رُومِيُّ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُنْسَبُ إِلَى آبَائِهَا، وَهَذَا نَفْيٌ لَهَا عَنْ آبَائِهَا” (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: [5/453)]. عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: “انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: “أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟!”، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً، -افتخر بهم وكلهم كفار- فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ قَالَ: “أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ابْنُ الْإِسْلَامِ”». قَالَ: «فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّ قل لهَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ: أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي أَوِ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ! فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ! فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ» (مسند أحمد: [35/ 110]، ح: [21178]، الصحيحة: [1270]).

التعليقات مغلقة.

error: Content is protected !!