(النكتة السياسية) .. السلاح الذي لا يقهر… !!!
الخرطوم : أحمد طه صديق- الإنتباهة
لعبت الوسائط الإعلامية الإتصالية الحديثة المختلفة دوراً كبيراً في التأثير على الرأى العام خاصةً في العالم العربي بإعتبار أنها متنفس للشباب وغيرهم من أبداء آرائهم السياسية بحرية في تلك الأنظمة القابضة ، غير أنه من الصعب للأنظمة الحاكمة تتبع ملايين الوسائط للسيطرة عليها والوصول لبعض المشاغبين لكنها عادةً ما تستهدف بعض العناصر المؤثرة وتلقي به في السجون أو تنكل بهم .
وفي عهد عبد الناصر رغم قبضة النظام القوية بيد أن النكات السياسية كانت تتخطى الحواجز السطلوية ، وبعد عدة عقود كانت للوسائط الحديثة دور كبير في تأجيج شرارة الثورات العربية عن طريق النكتة وعن طريق التحريض وتنسيق الحراك الجماهيري المضاد للأنظمة خاصةً أبان الثورة المصرية ، حتي السودان بعد إنتشار أجهزة الحاسوب والهواتف السيارة سيما الذكية منها سمحت للعديد للشباب من التفاعل في القضايا السياسية والإجتماعية وأصبح من المألوف أن يرسل لك شخص ما نكتة أو صورة ، وفي ظل إنتشار علوم الحاسوب والثقافة الألكترونية بات من الممكن للكثير من الشباب التعامل بإحترافية في نقل الصور وإجراء عملية الدمج والدبلجة الصوتية ، وكلما كانت المقاطع المرسلة تتسم بالطرافة والسخرية تجد مجالاً أوسع للتداول بين الوسائط الإتصالية المختلفة ، وفي عهد الرئيس السابق نميري كانت هناك العديد من النكات التي تروى وتتناقل بين الناس عن طريق الإتصال الشخصي المباشر لعدم وجود الوسائط الإتصالية الحديثة مثل الشبكة العنكبوتية (النت) أو الأجهزة الجوالة ويقال أن النميري كان يهتم بها ويقوم جهاز الأمن المايوي بعرضها له في إطار رصد الجهازلإتجاهات الرأي العام وكانت طريقة قراءة النميري لخطاباته مسار سخرية للكثير من التيارات السياسية والشبابية
النكتة السياسية في عهد البشير
يعتبر عهد حكومة المؤتمر الوطني برئاسة عمر البشير من أكثر الأنظمة الوطنية التي شهدت النكات السياسية الساخرة والتفاعل السياسي عبر (فيس بوك) أو (واتساب) ، ربما بفعل التطور في الوسائط الإتصالية وبقائه الزمني الطويل ومن الطرائف إن والي سنار قرأ في إجتماع رسمي على الحضور رسالة وردت إليه عبر الهاتف تتحدث عن نكتة متداولة بعد أن زجوا فيها اسم الوالي أحمد عباس و تقول النكتة ( إن الرئيس المصري مرسي جمع مستشاريه وقال له أريد أية وسيلة نتخلص بها من ميدان التحرير فأقترحوا عليه استقدام والي سنار من السودان حتى يبيع الميدان ويستثمر فيه وتتخلص الرئاسة المصرية من ميدان التحرير ومتاعبه).
بينما تسخر نكتة أخرى عن سياسة القهر وتكميم الأفواه ( قال راوي بني الإنقاذ على خمس :قالوا ماهى :قال أولاً تاكل ماتشبع وثانياً عندك ماعندك تدفع وثالثاً تمشى الجنوب ماترجع ورابعاً تلبس مرقع فسكت :فقالو ثم ماذا ؟قال تفتح خشمك يطلعوا روحك …لو راجل أفتح خشمك؟) وتسير نكتة أخرى على هذا المنوال وتقول: ( كلب سوداني لقى كلب أمريكي قاليهو أنا جايكم السودان لأنو هناك قالوا بالجد بتحس أنك كلب قاليهو القال ليك صدق بس فى مشكلة واحدة قاليهو شنو قاليهو فى السودان ممنوع تهوهو) ونكتة أخرى ساخرة تقول شافع راكب مع أبوهو المواصلات شاف صورة البشير قاليهو بابا عاين داك الزول الفي التلفزيون البتتف فيهو كل يوم أبوهو رفعو سريع يا أخوانا فى ولد ضايع هنا ده تبع منو).
ومن النكات التي تشير إلى فساد النظام نكتة تروى عن أحد رموزه تقول: (البشير ركب تاكسي لقى سواق التاكسي معلق صورة المهدي والأزهري والمتعافي سألو ديل منو قاليهو الأول حارب الإنجليز والتاني حرر البلد من الإنجليز قال ليهو أها والتالت قاليهو لا ده شريكي في التكسي ).
نكات الربيع العربي في مصر
تميزت النكات السياسية المصرية بالسخرية اللاذعة والطرافة وخفة الدم فهي تعبر عن نفسية الشعب المصري الميال للمرح والسخرية وإبداء التملل من الحكام تاريخياً بالتنفس عن طريق النكات السياسية وبرزت النكات السياسية منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لكنها برزت أكثر في عهد الرئيس مبارك الذي تجاوز أكثر من ثلاثة عقود وراجت العديد من النكات الطريفة والساخرة في أعقاب الإنتفاضة ضده سيما أبان الإعتصام في ميدان التحرير الشهير بالقاهرة حيث مزجت النكات أحياناً الوضع المصري السياسي بأوضاع في بلدان أخرى تشهد حكماً استبدادياً ، وكانت النكات تكتب في أقمشة وترفع كبديل للشعارات السياسية المباشرة منها نكتة تقول : (أرحل.. الولية عاوزة تولد والولد مش عايز يشوفك)..
– أرحل عاوز أتجوز- (رابطة نجاري مصريسألون الأسطى مبارك: (ما نوع الغراء الذي تستخدمه؟).
(- أرحل مراتي وحشتني.. متزوج من 20 يوماً – )( ده لو كان عفريت كان طلع ).
(أمنية واحد مصري: يا ريت مبارك كان ضربنا إحنا الضربة الجوية، وراح حكم إسرائيل 30 سنة، كان زمانهم بيشحتوا دلوقتي).
بيقولك واحد لقي الفانوس السحري ودعكه.. طلعله العفريت وقاله: شبيك لبيك تطلب أيه؟ قاله الراجل: أنا عايز كوبري بين القاهرة وأسوان. العفريت قاله: دي صعبة قوي.. نقي حاجة تانية. الراجل قاله:خلاص خلي حسني مبارك يسيب الحكم. العفريت قاله: أنت عايز الكوبري رايح جاي؟ ولا رايح بس ).
(و ما استحمتش النهاردة في بيتنا.. هاستحمى يوم الجمعة في قصر الرياسة.)
وأضافت: (أحد المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة بدا عليه الإجهاد وهو يحمل لافتة كتب عليها إرحل بقى.. إيدي وجعتني).
ومن النكات التي تمس أنظمة عربية مستبدة تقول (تحسباً لأية إحتجاجات ومظاهرات مفاجئة في سوريا ، إعتقلت السلطات السورية جميع المواطنين.)
(بعد ثورة مصر وتونس يوم الجمعة ، القذافي قرر إلغاء صلاة الجمعة في ليبيا!)
، كذلك من النكات المتداولة في الوسائط المختلفة بعد إنتصار الثورة وتنحي مبارك نكتة تقول «عاجل من ميدان التحرير إلى إخواننا فى الدول الشقيقة: حد عنده ريس مزعله قبل ما نروح؟) وهناك نكتة أخرى في مصر تسخر من العملية الإنتخابية ونتائجها وهي أن (صعيدى طلب يتعين فى مجلس الشعب قالوا له أنت أهبل ! قال لهم يعنى لازم الشرط ده )
نكتة سورية
ومن النكات في دولة سوريا نكتة تقول ( جاء مواطن إلى مفتي سوريا وقال له إنه شاهد المرحوم فريد الأطرش في المنام يقترب في فجر يوم عيد الفصح من الجامع الأموي وإنه إلتقى مصادفةً مع الرئيس حافظ الأسد الذي كان يريد أن يصلي صلاة العيد في هذا المسجد كالمعتاد وأن فريد أخذ حافظ الأسد وطار به في السماء، وسأل المواطن مفتيه عن تفسير هذا الحلم فقال المفتي: تفسير الحلم يا بني فريد الأطرش سيعود للحياة لننعم بصوته الشجي.)
نكتة يمنية
ومن النكات المتداولة هذه النكتة التي يتم تداولها على نطاق واسع لكنها فيها إشارة إلى سياسة الحوثيين مما يعني بإن اليمنيين ربما كانوا يرددونها وتقول النكتة (الإشتراكية : أن تكون لديك بقرتان، فتأخذ الدولة بقرة واحدة وتعطيها لجارك وتترك لك واحدة، الشيوعية: أن تكون لديك بقرتان، فتأخذهما الدولة وتعطيك بعض اللبن، الحوثية: أن تكون لديك بقرتان، فتأخذهما الدولة وتحلبك أنت).
ممنوع في المغرب
الفنان المغربي الساخر أحمد السنوسي كان ممنوعاً من تقديم عروضه الساخرة على القنوات التلفزيونية المغربية منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن.. يقول السنوسي.
وأضاف بزيز لـ(إيلاف): (لا أروي النكات، بل أستمتع بها مثل كل المغربيين، ويحدث في بعض المرات أن تشدني نكتة شعبية وأنطلق منها، هذا يحدث لكل الفنانين الساخرين).
يرى أن كل نكتة، هي سياسية بإمتياز، سواءً قصدت الحاكمين أو عرّت الخلل ذا الطابع الإجتماعي أو السلوكي، إذ أن للنكتة (حمولة سياسية، ومصدر قوتها كونها إبداعاً جماعياً لا تحمل توقيعاً لأحد ولا يملك أي فرد حقوق طبعها أو نشرها، وهي بذلك تفلت من المطاردة والعقاب في دول الاستبداد، لكن رُواتها يُسجنون).
النكتة السياسية من منظور نفسي
يقول الكاتب الأردني غسان عبد الخالق تدفعنا التفسيرات النفسية لشخصية صانع النكتة أو مروّجها، إلى الإعتقاد بأنّه يمارس ضرباً من الإسقاط بغية الحصول على الحد المطلوب من التوازن الذي قد يحول دون إنهياره؛ فمن يكثرون من الضحك أو الرغبة في إضحاك الآخرين يعانون حزناً وألماً عميقين قد يصلان حد الإكتئاب، ومن يركّزون على النكات الجنسية لديهم جراح غائرة قد تصل حدود الكبت والعجز والعنّة. لكن النكتة بوجه عام، ومن منظور علم النفس الجماعي، تعد أحد أبرز مؤشرات المزاج الشعبي العام، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً. وهي لذلك أيضاً شكل عفوي من أشكال استطلاع الرأي العام.
يمور تاريخ الفكر بالعديد من النماذج الساخرة المبكية المضحكة في آنٍ بدءاً بسقراط مروراً ببرجسون وليس انتهاء ببرناردشو
ومن نافلة الحديث القول إنّ النكتة السياسية تحديداً قد استُخدمت وما زالت تُستخدم على صعيد الحروب النفسية بين الدول والجماعات على نطاق واسع وفعّال، ولها خبراؤها الذين يبدعون في إخراجها بمواصفات محدّدة، قد تتكفل أحياناً بإنجاز ما لم تنجزه الطائرات والغواصات والجيوش الجرّارة. ومن أبرز الأمثلة التي يمكن الإشارة إليها على هذا الصعيد، رواية (مزرعة الحيوانات) لجورج أورويل، التي تُمثّل نكتة سياسية طويلة (استعارة كبرى) تهدف إلى تسخيف وتقويض النظام الشيوعي بوجه خاص، وكل نظام شمولي بوجه عام، بغض النظر عن هويته السياسية أو الإقتصادية أو الأيدولوجية. ولا ريب في أنّ ما تكفّلت به هذه الرواية وحدها على صعيد هزَّ الصورة الوردية للمجتمع الإشتراكي، قد فاق من حيث التأثير والفاعلية أضعاف ما كان يمكن أن تتكفّل به العديد من أسلحة الدمار الشامل – التي لم تُستخدم لحسن الحظ – في ذروة الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الشيوعي.
النكتة بوجه عام ومن منظور علم النفس الجماعي تعد أحد أبرز مؤشرات المزاج الشعبي العام سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً
أخيراً
في إعتقادنا أن النكتة السياسية لها القدرة على التلصص بتلمس كل أدران وإخفاقت الأنظمة المستبدة إنها تستطيع أن تقفذ على حوائط الصد ومتاريس الطغاة ويخرج صاحبها مبتسماً بينما يموج الحارس بالغضب المكتوم إنها تتخطى إشارات الطرق الموضوعة قسراً دون أن تمر بدفتر المخالفات وتتكئ مع عابري الطرق وتؤانسهم وتزيل عنهم رهق الحياة ومرارتها وتنفّس عنهم أثقال حملتها صدورهم في توجع وتفرغ عنهم ماءاً حبسوها في أفواهم خيفة وتنطق عنهم بلسان مبين.
التعليقات مغلقة.