دكتور عبدالناصر سلم حامد يكتب :الإدارة الأمريكية والازمه السودانية

60

 

مدير برنامج شرق افريقيا والسودان وكبير الباحثين في فوكس السويد

واتس.٠٩٩١٢٩١١٧٠

 

مرت العلاقات السودانية الامريكية بتعقيدات ومنعطفات كبيرة خلال نصف قرن من الزمان كانت فيها العلاقات متارجحة بدرجة كبيرة خاصة خلال فترة حكم الرئيس السابق البشير والعقوبات المختلفة التي تم فرضها علي السودان لسنوات بواسطة الادارات الامريكية المتعاقبة جمهوريين أو ديمقراطيين.
الاوضاع التي يمر بها السودان دفعت الكثيرين للتساؤل حول الكيفية التي ستتعامل بها إدارة بايدن مع الحكومة السودانية خاصة عقب إجراءات وقرارات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان التي يعتبرها البيت الابيض انقلاب عسكري ومن هذا المنطلق يجب ان نقف علي طبيعة المصالح المشتركة بين البلدين وكيفية تعاطي الحزبيين الكبيرين الجمهوريين والديمقراطيين مع الشأن السوداني .
الإدارة الأمريكية الحالية لبايدن اوقفت المساعدات المالية التي كانت تنوي تقديمها للسودان “700” مليون دولار منحة بجانب منحة أخرى ب”1.650″ مليون طن قمح موزعة علي عامين وصعدت الادارة الامريكية لهجتها تجاه الجانب العسكري في السودان عبر قانون عقوبات فردية وجماعية ضد معرقلي التحول الديمقراطي تمت مناقشته في الكونغرس في انتظار الموافقة علية وسط شد وجذب بين نواب البرلمان الامر الذي يشير إلى ان الإدارة الأمريكية ليست علي قلب رجل واحد فيما يتعلق بالعقوبات تجاه العسكريين تحديداً .

عموما السودان لا تجمعه علاقات عسكرية قوية بالبنتاجون، وهو لا يشترى أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات سنويا، كما هو الحال لكثير من الانظمة العربية التي تربطها علاقات بامريكا ايضا لا يوجد تبادل تجارى كبير او حتي متوسط بين السودان والولايات المتحدة، كما لا ترتبط النخبة العسكرية أو المدنية السودانية بواشنطن لكنة رغم ذلك ظل السودان محل اهتمام الادارات الامريكية المتعاقبة .
الحزب الجمهوري دائما يرتكز في علاقاتة الخارجية علي القيم المادية والمصالح مع كافة دول العالم لذلك ظل الرؤساء الامريكين المنتمين لهذا الحزب يتعاملون مع السودان وفق هذا المنطلق وبالتالي لم يكون السودان ضمن دائرة الاهتمام الأولي ولاحظنا ذلك ابان فترة بادين الاخير حيث لم يتطرق طوال مدة حكمة للحراك الثوري الذي انتظم الببلاد ابان عهد البشير الاء مرة واحدة تقريبا وهناء يبرز سؤال ماهي المصالح الامريكية التي يمكن ان تجنيها واشنطن من بلد فقير كالسودان الاجابة ان السودان ليس بلد فقير بالمعنى الحرفي للكلمة من ناحية الاقتصاد لكنه غني جدا بالموارد الذاتية والمعادن النفيسة من ضمنها اليورانيوم والرمال السوداء التي تدخل في صناعة الاسلحة العسكرية الثقيلة كما انه ثالث دولة افريقية في انتاج الذهب في القارة الافريقية فضلا عن موقعه الاستراتيجي في وسط وشمال افريقيا وساحل البحر الأحمر الذي تحاول روسيا اقامة قواعد عسكرية فيه وبالتالي هنالك صراع أمريكي روسي في المنطقة .
ولكن وفق ما ذكرنا الحزب الجمهوري لايتدخل مباشرة في السياسة الداخلية للسودان ولكنه في نفس الوقت ينظر وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدي للسودان تعتمد علي تثبيت مصالحة إلى حين وترفض تدخل اي من القوى الأخرى في السودان باعتباره مخزن مستقبلي وموقع استراتيجي سيأتي اليوم الذي تستفيد منه الولايات المتحدة الأمريكية ونخلص الى ان الجمهوريين لن يتدخلوا في طريقة الحكم ونوع الحكم شمولي او ديمقراطي .
اما الحزب الديمقراطي فهو يعتمد علي سياسة واضحة جدا تدعم الديمقراطيات في العالم وتقف مع حقوق الانسان وكان هذا واضح جليا في الثورة السودانية حيث دعمت ادارة بايدن حكومة حمدوك باعتبارها تمثل الثورة السودانية التي تهدف في النهاية للوصول لانتخابات حرة ونزيهة وتعتمد الولايات المتحدة علي رسم سياستها في السودان علي المنظمات التي ينشط فيها معظم أعضاء الحزب الديمقراطي.
ولكن رغم الحديث عن الديمقراطية الا ان الرؤساء المنتمين للحزب احيانا اتخذوا خطوات تخالف مبادئ الديمقراطية” كالحرب في العراق والتدخل في ليبيا وضرب مصنع الشفاء بالسودان كل هذه الحروب والضربات تمت في عهد رؤساء ينتمون للحزب الديمقراطي مثلا في فترة حكم الرئيس رقم “33” للولايات المتحده، الذي ينتمي للحزب الديمقراطي، اشتعلت الحرب العالمية الثانيه، وكان لـ”ترومان” دور لا ينسى خلال الحرب العالميه، بإصداره قرار الضربة النووي علي هيروشيما في اليابان.
تعامل ادارة بايدن الحالية مع القضية السودانية ربما يكون مختلفا في ظل التحول الكبير في السياسات الامريكية بعدم التدخل “عسكريا” في الشؤون الداخلية للدول حيث تم سحب الجنود الأمريكان من افغانستان بعد سنوات طويلة من الحرب وهذا يوضح ان الادارة الجديدة تعتمد علي الدبلوماسية لحل المشكلات في العالم ولذلك لا نتوقع تدخلا امريكيا مباشرا في السودان بواشنطن تعتمد علي اتباع سياسة العصا والجزرة بالمعونات والعقوبات حيث اوقفت فعلا دعمها للحكومة السودانية عقب اجراءات القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر بعد ان اعتبرته انقلاب عسكري ودعت مجلس الأمن للانعقاد الا ان الأخير فشل في استصدار بيان يدين الوضع في السودان وحاليا تسعى واشنطون لفرض واقع سياسي جديد في السودان وفق رؤية دولية بالتعاون مع دول المنطقة السعودية والإمارات تتمثل في المبادرة الأممية لدعم التحول الديمقراطي في السودان .
بالعودة للحديث أعلاه عن اعتماد الولايات المتحدة علي المنظمات في تحديد طريقة تعاملها مع الحكومة السودانية نعتقد ان علي الاخيرة الإسراع في تحسين موقف ملف حقوق الانسان باعتباره هو المحك الرئيسي لهذا الامر ومن المفارقات العجيبة ان الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان كان محصور في مناطق النزاعات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ولكن الآن تحتل الخرطوم صدارة اهتمام المنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان نتيجة سقوط عدد من القتلى في التظاهرات التي تشهدها العاصمة منذ الـ25″ من شهر اكتوبرمن العام الماضي .
ملف حقوق الانسان في الولايات خاصة دارفور فيه تقاطعات وتعقيدات يصعب علي المجتمع الدولي تفهمها مثلا هنالك النزاعات القبلية وثقافة الثأر والفزع المنتشرة في معظم ولايات البلاد وما ان ينشب صراع قبلي حتي يجد بعض الافراد المنتمين لجهات أمنية انفسهم مجبرين علي القتال مع اهلهم وذويهم لانهم يدركون انهم اذا لم يشاركوا سيتم عزلهم اجتماعيا وتتسبب هذه المشاركة الغير مرتبة او الغير منظمة من قبل الحكومة او القيادة العسكرية في حرج شديد للدولة السودانية التي تجد نفسا في موقف الدفاع فهي لم تصدر اوامر بمشاركة القوات الأمنية في النزاعات العسكرية كما انها تدرك عدم استطاعتها منع أفرادها من الدخول في هذه الصراعات في الوقت الذي تعكس فيه بعض وسائل الإعلام المحلية والعالمية اخبار عن مشاركة عسكريين في الصراعات القبلية وبالتالي تؤثر هذه الأخبار علي وضع السودان لدى صناع القرار في المجتمع الدولي .
إدارة بايدن لم تفرض عقوبات جادة على بعض الدول الحليفة لها و المنتهكة لحقوق الإنسان، لجهة أن البديل تكلفته السياسية كبيرة حيث تكتفى واشنطن الآن بتوجيه انتقادات والعتاب إلى حلفائها بسبب سجلات حقوق الإنسان وغياب الممارسات الديمقراطية فيما تلجأ للعقوبات الفردية والجماعة كما تهدد عبر قانون معرقلي الديمقراطية في السودان القادة العسكريين في السودان ولكن حتي هذا القرار وجد انقسام داخل الكونغرس والادارة الامريكية.
الإدارة الأمريكية تريد نظاما ديمقراطيا في السودان ولكنها في الوقت ذاته لاتريد دولة فاشلة في السودان تسودها الحروب الأهلية وتحول البلاد إلى مستنقع آخر للفوضى والجماعات الارهابية خاصة وان السودان محاط بليبيا ومصر وتشاد التي تعاني من هذه الجماعات الارهابية وايضا انفجار الاوضاع في السودان يمكن يجعل الخرطوم اكبر معبر للتجارة البشر عبر كافة المنافذ البرية خاصة وانه محاط بدول تعاني من اشكالات امنية واقتصادية .
الولايات المتحدة الأمريكية في مأزق حقيقي حاليا لعلاقاتها مع السودان ادارة بادين تريد الديمقراطية ولكنها تدرك الدور الكبير الذي يقوم به الجيش السوداني في الحدود وحفظ الأمن حتي لا ينفرط عقد الأمن لاحد اكبر دول المنطقة كما تعلم واشنطون المجهود الكبير لقوات الدعم السريع في الحد من الهجرة الغير شرعية وإيقاف تجارة المخدرات كل هذه التعقيدات ربما تجعل الادارة الامريكية تتخذ موقفا رماديا ظاهرياً من الأزمة السودانية تدين فقط ولكنها لن تستطيع اتخاذ خطوات فعلية تجاه الجهات العسكرية وتسعى لحل الأزمة عبر شركائها في المنطقة السعودية والإمارات وربما مصر .

التعليقات مغلقة.

error: Content is protected !!