عثمان ميرغني يكتب : جدل القبض على حسام
الخرطوم سودانية 24 لايف
قبل أيام قليلة طائرة ركاب سودانية كانت في طريقها من مطار الخرطوم إلى إسطنبول في تركيا، وبعد الدخول في الأجواء المصرية انطلق جهاز الإنذار ينبه لحريق في حجرة الشحن، في الحال لجأ قائد الطائرة إلى أقرب مطار، الأقصر، جنوبي مصر، وهبط بسلام، وبالتفتيش اتضح أن الجهاز أعطى إنذارا خاطئا، وإلى هنا القصة عادية، خاصة وأن المسافرين واصلوا رحلتهم إلى الجهة المقصودة بعد بضع ساعات أمضوها في مطار الأقصر.
الذي حوّل قصة الطائرة إلى خبر وجدل في برامج حوارية في الفضائيات، أن السلطات المصرية أوقفت أحد الركاب واستبقته في مصر، وهو المصري حسام منوفي من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، كان على متن الطائرة في طريقه إلى تركيا.
الدكتاتور عندما يريد تخليد نفسه
عرّفوا الوطن ونسوا المواطَنة
معظم الجدل تركز حول قانونية، ثم قدرة أجهزة المخابرات على تدبير عمليات ظاهرها عادي وباطنها مجهود ممتد لفترة طويلة، وتفاصيل معقدة تنتهي بالنتيجة المطلوبة، وهي القبض على أحد المطلوبين رغم كونه في حرز بلد آخر قد يصعب ملاحقته فيه.
في نهايات تسعينيات القرن الماضي، مواطن سوداني متهم لدى المخابرات الأمريكية بالمشاركة في عمليات حربية في أفغانستان، ثم الصومال، ضد القوات الأمريكية، عاد إلى السودان بعيدا عن الملاحقة، في ظل نظام سياسي يعادي أمريكا.
ومع مشقة الحياة في السودان والأوضاع الاقتصادية القاسية، جاءه عقد عمل من أحد أقربائه في الخارج ومعه تذكرة طائرة كينية في رحلة عبر مطار نيروبي.
لم يتردد، سافر وفي ظنه الحصول على فرصة عمل خارج السودان، وعند توقف الطائرة في مطار نيروبي وهو ينزل منها لم يستطع وضع قدمه عند آخر درجة في السلم على أرض المطار، فقد فوجئ بالاثنين اللذين كانا ينزلان خلفه مباشرة يحملانه ويسلمانه إلى مجموعة كانت تنتظر أسفل الطائرة، ثم إلى حجرة خاصة في المطار، وجد فيها فريقا أخطروه أنهم من مكتب المدعي العام الأمريكي وأنه مطلوب للعدالة، ثم نُقل بطائرة صغيرة خاصة إلى نيويورك، ومنها إلى معتقل غوانتانامو، وأحيل إلى محكمة قضت بسجنه عشر سنوات، واتضح أن قصة العقد وتدابير السفر كلها كانت ”حبكة“ استدراج خارج الحدود.
في العالم الحديث مساران للتعامل الدولي، المسار العادي الذي يتعلق بكل ما هو خارج التصنيف ”الأمني“، والمسار الآخر المتعلق بالأمن القومي الذي تفسره كل دولة وفق خارطتها الجيوبوليتكية، فبعض الدول تضع خارطة الأمن القومي وفق معيار جغرافي، وأخرى قد تختار معيارا اقتصاديا أو ربما سياسيا أو الجمع بينها كلها.
في المسار العادي للعلاقات الدولية، من السهولة الحصول على تفسيرات متطابقة مع القانون والمنطق السياسي، بينما في المسار الآخر، الأمني، يفترض الواقع أن لكل ”حادثة حديث“ وفق معطياتها لا حسب المتعارف عليه.
في حادثة الرحلة رقم 114 للطائرة الليبية بتاريخ فبراير 1973 من مطار طرابلس إلى القاهرة، عاصفة شديدة جعلتها تضل مسارها فتحلق فوق جزيرة سيناء التي كانت تحتلها إسرائيل، ورغم أن الطائرتين الحربيتين الإسرائيليتين اللتين حاصرتا الطائرة الليبية أدركتا أنها طائرة مدنية، وشاهدتا الركاب داخلها، لكنهما لم تترددا في إطلاق صاروخ أسقطها وقضى على 108 من ركابها الأبرياء.
الموقف ذاته تكرر للطائرة الكورية في رحلتها رقم 007 في سبتمبر 1983 من نيويورك إلى سيول، وضلت طريقها فوق منطقة ممنوعة بأقصى شرق روسيا، ورغم أن الطيار أعاد تصحيح مساره، إلا أن الطائرات الحربية الروسية لم تتردد في إسقاط الطائرة بركابها الـ208.
من الصعوبة إخضاع التقديرات الأمنية للمعايير العادية في العلاقات الدولية، فهي أشبه باتفاق غير مكتوب بين الأجهزة الأمنية على مستوى العالم على تفسير التقديرات بـ ”نتائجها“ لا تدابيرها، ففي حادثة الطائرة السودانية سينظر العالم إلى ”النتيجة“ لا التدابير، والنتيجة هي دولة تلقي القبض على أحد مواطنيها المطلوبين رسمياً.
التعليقات مغلقة.