عزمي عبد الرازق يكتب : من أيقظ الخلايا الإرهابية النائمة في السودان؟

111


الخرطوم سودانية 24
بالرغم من أن السودانيين أكثر شعوب الأرض تسامحاً وأقلهم تطرفاً، وليس عليهم في الغُلاة من سبيل، بل يندر أن تجد سودانيا شارك في عملية إرهابية، ومع ذلك لاحقتنا لعنة الدول الراعية للإرهاب لسنوات طويلة، ليس لأي سبب سوى أن السودان ظل دولة مضيافة ومفتوحة ( للغاشي والماشي) بغير حذر ولا موانع، تطلب المأوى أو الجنسية فتحصل عليهما بكرم حاتمي، وهي غالباً الثغرة التي نفذت منها الخلايا الإرهابية، وأخرها خلية ضاحية جبرة العنيدة، كما وصفها قائد سلاح المُدرعات.

خلية جبرة العنيدة

طوال نهار الإثنين حبست العاصمة السودانية أنفاسها على إثر تفكيك خلية إرهابية في ضاحية جبرة، جنوب الخرطوم، وتولت القوات النظامية المشتركة التعامل مع الخلية بجميع أنواع الأسلحة التدميرية، في مواجهة قنابل حارقة وأسلحة أخرى متنوعة، مما تسبب في استشهاد وجرح بعض القوات السودانية التي استبلست، ومقتل جميع أفراد الخلية. وقبيل أسبوع من تلك الحادثة نفذت القوات المشتركة عملية مداهمة لموقعين بمدينة أم درمان، وتم القبض على (8) أفراد أجانب.

في وقتٍ أيضاً ناشد جهاز المخابرات العامة المواطنين بتوخي الحيطة والحذر، وأهاب بالتبليغ عن أي أفراد يشتبه أنها تتبع لخلايا داعش، ما يعني احتمالية تنامي تلك الخلايا واتخاذها مخابئ متفرقة، يسهل بها تشتيت الأنظار والقيام بأنشطة إجرامية، سيما وأن الخرطوم تعيش حالة من الفوضى والسيولة الأمنية بسبب ضعف الحكومة، كما أن آصحاب “الشقق المفروشة” لا يدققون في هويات الأجانب، الذي يتسللون بسهولة، وأغرت أمثال تلك الجماعات بالتحرك بجرأة وتهريب الأسلحة، ليس بالضرورة لتنفيذ أهداف داخلية، ربما كانت أهداف خارجية، إذ ظللنا منذ ثمانينيات القرن المنصرم نستقبل مطاردين من أنظمتهم الباطشة في ليبيا وإرتريا ومصر وتونس وسوريا وغيرها، كثير منهم تحول إلى خلايا نائمة نومة أبدية، أو قرروا الاندماج في المجتمع المحلي، وتزوجوا من سودانيات، فلما تغيرت الأنظمة بعد ثورات الربيع العربي عادوا إلى بلدانهم مواطنين صالحين، وأخرين وجدوا في الخرطوم ملاذاً أمناً لاستئناف أنشطتهم الخطيرة.

داعش في الخرطوم

لكن الأغرب في جدل الشارع السوداني المنقسم على أي قضية أن البعض تعامل مع أخبار الخلايا الإرهابية بمزيد من بالازدراء والتشكيك، والتعامل أحياناً مع الرصاص المنهمر باستهتار يتقافزون من وراء الشُرفات والشوارع ويلوحون بكاميرات الهواتف على مقربة من الصندوق القتالي، كأنها لعبة على الإنترنت، وأطلت كذلك أصوات معارضة للجيش تتحدث عن محض مسرحية من تأليف خيال هازئ، وهى حجة لا يوجد ما يسندها مع لعلعة الرصاص والموت، كذلك يمكن القول إن داعش، وإن كنا لا نستبعد وجودها في السودان، فهي نفسها صناعة استخباراتية غربية، نفخت فيها الآلة الصهيونية الضخمة، ليسهل لهم شرعنة احتلال الدول الإسلامية، أو صناعة ما يعرف بالفوضى الخلاقة، لاحتواء العالم، أي صناعة الخرافة وتصفيتها! ولا يخفى على فطنة المتابع أن تاريخ أبي بكر البغدادي هو تاريخ داعش، وكلاهما ولد في لحظة فارقة من حروب النفط، التي أشعلت القتال في بؤر متقاربة، ليكون إمدادها بالعنف والسلاح منطقيًا.

سيرة الرصاص والدم

بالطبع ليست هذه المرة الأولى التي تَعثُر فيها السُلطات الأمنية على خلية إرهابية نشطة، وتقوم بتفكيكها، فالسودان بمثابة المعبر لدول عديدة تنتشر فيها مثل تلك الجماعات، وكذلك يطل من المنتصف على حزامي داعش وبوكو حرام معاً. ويتذكر الناس مطلع 1994، تاريخ أحداث مسجد الثورة في مدينة أم درمان، حين هاجم عبد الرحمن الخليفى (يمني الجنسية) مع ثلاثة آخرين بالأسلحة النارية مسجدًا يتبع لجماعة أنصار السنة، وحصدوا أرواح 27 من المصلين، وما رشح من أنباء عقب تلك الحادثة أن الزعيم الإسلامي حسن الترابي كان هدفاً أيضاً للخُليفي، وكذلك زعيم القاعدة أسامة بن لادن الذي كان يقيم في الخرطوم وقتها، إلا أنه كان يقطن في منزل محصن وشديد الحراسة بضاحية الرياض وسط الخرطوم، بجانب أن المعلومات عن المنزل لم تكن واضحة لدى المنفذين. ولا بد أنهم يتذكروا مذبحة الجرافة في ديسمبر/كانون الأول 2000 حين أطلق المتطرف عباس الباقر الرصاص بصورة عشوائية داخل أحد المساجد ولطخ الجدران والسجاد بالدماء، وكذلك حادثة تفجير فندق الأكروبول بالخرطوم عام 1988م، من قبل جماعة أبي نضال الفلسطينية، إلى جانب مقتل الدبلوماسى الأمريكي جون جرانفيل في أواخر عام 2008، بإطلاق الرصاص على سيارته ليلة رأس السنة، وهنا ثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهى أن بعض تلك الحوادث ليس خلفها عناصر متشددة في الدين، أو جماعات جهادية، ما يعني أن الإرهاب لا ملة ولا دين له.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 تمكنت السُلطات السودانية من القبض على خلية جهادية متشددة، عٌرفت بخلية “الدندر”، وكانت مدججة بالإسلحة، جلهم في ريعان الشباب، وأقلهم تأهيلاً كان يحمل درجة البكالوريوس، لم ينته الأمر بإيداعهم السجن فحسب، بل ابتدر النظام السابق معهم حواراً مطولاً انتهى إلى إقناعهم بالعدول عن أفكارهم المتشددة، ومن ثم أُطلق سراحهم، بعد أن تأكد أن الأزمة في العقول وليست في النوايا، وانطلقت بعدها سلسلة حوارات مع كثير من عناصر تلك الخلايا، أعادت جلهم إلى رشدهم.

تفجير العقول

عموماً لا أحد يملك إجابة قاطعة على دلالة ظهور تلك الخلايا الإرهابية في هذا الوقت تحديداً، وهل ثمة جهات خارجية متورطة في الزج بها إلى الداخل السوداني المأزوم بالصراعات السياسية، لتعم الفوضى، وتبرر تدخل القوات الأممية، كما حدث في سوريا وأفغانستان؟ أم أن القضية بخلاف ذلك، سيما وأنها ظلت خلايا نائمة لسنوات، دون عمليات تفجير بالداخل. لكنني أرجح أنها كانت مرصودة، وتحت الرقابة الأمنية، قبل أن تنقض عليها مؤخراً، وقد فوجئت السلطات السودانية، بأنها، أي الخلايا الإرهابية، طورت من عُدًتها وعتادها، وأصبحت أكثر جاهزية، ولم تتورع عن قتل كل من يقف في طريقها، مدنياً كان أو عسكرياً، وفي حال تركها، ربما تصبح مُهدداً خطيراً وأقوى من الدولة، وتجعل من السودان أحد بؤر العنف في العالم.

التعليقات مغلقة.

error: Content is protected !!