زهير السراج يكتب : أكذوبة التمويل العقاري!
أعلن بنك السودان عن فتح التمويل العقاري بعد توقف دام سبع سنوات كاملة، مما أفرح الكثيرين الذين ظلوا يحلمون ببناء القطع السكنية التي حازوا عليها منذ سنوات طويلة وحال دون ذلك قلة المال .. ولكن يا فرحة ما تمت، فالشروط التي وضعها البنك لا تخدم سوى الاثرياء الذين لا يحتاجون في الاساس للتمويل المصرفي، وتفتح الباب أمام الفساد.
*يخضع التمويل العقاري في كل بلاد العالم الى قوانين ونظم وضوابط تقررها الدولة عن طريق بنكها المركزي، ولكن لا تتجاوز نسبة الفائدة 3 % سنويا لفترة سداد لا تقل عن خمس وعشرين عاماً، كما ان قيمة المقدم المطلوب لا تتجاوز 2% من قيمة القرض، لأن المستهدفين بالتمويل في الأساس هم الخريجون الجدد، وأصحاب الدخول البسيطة ــ كما يقول زميلنا الكاتب (د. فخرالدين عوض حسن عبد العال).
*في مصر القريبة فإن سعر الفائدة للتمويل العقاري يجب ألا يتجاوز 3% لمدة ثلاثين عاماً، حسب توجيهات صادرة من الرئاسة المصرية، ولقد جاء في بوابة (الاهرام)، ان البنك المركزي حدد أسعار الوحدات السكنية في مبادرة التمويل العقاري لمحدودي ومتوسطي الدخل بسعر فائدة متناقص 3%، وفترة سداد تصل إلى 30 عامًا، وتضع البنوك حاليًا اللمسات الأخيرة لتطبيق المبادرة الرئاسية للتمويل العقاري بفائدة 3%، وفي الاطار نفسه عمم (بنك مصر) منشورًا لجميع فروع البنك يقضي بخفض سعر الفائدة في المعاملات القديمة من 8%، إلى 3% وتعديل مدة القرض لتصل إلى 30 عامًا بحد أقصى.
*وأكد رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد، “أنه يتوقع إقبالاً كبيراً من الحاصلين على قروض بنسبة فائدة تتراوح ما بين 5٪ و8٪ للتحويل إلى مبادرة الرئيس السيسي للتمويل العقاري بفائدة 3٪، والاستفادة بسداد باقي قيمة القرض القديم بالنظام الحالي، مضيفاً ان البنك يشارك في المبادرة الرئاسية لتمويل وحدات سكنية لمتوسطي ومحدودي الدخل، من خلال تمويل 80٪ لوحدات سكنية كاملة التشطيب يصل سعرها إلى 1.4 مليون جنيه لمتوسطي الدخل، وتمويل 90٪ لمحدودي الدخل لشقق حتى 350 ألف جنيه، إضافة إلى دعم من خلال صندوق التمويل يصل إلى 40٪، ويمنح البنك التمويل لذوي الدخل الثابت من القطاع الحكومي أو الخاص وأعضاء النقابات المهنية بالإضافة الى أصحاب الأعمال الحرة والأنشطة التجارية ممن لديهم سجلات تجارية أو بطاقات ضريبية”.
*اما في سودان الغرائب والعجائب فان نسبة الفائدة تبلغ 15 % سنوياً كما ان أطول فترة سداد لا تتجاوز 15 عاماً، بالإضافة الى دفع نسبة 25 % مقدم من قيمة القرض وشروطاً أخرى مجحفة، ومعاملات ربوية، أقرب الى الذبح ، وعلى سبيل المثال ، إذا كانت قيمة القرض 100 ج وسعر الفائدة 15 %، فان القرض يتم كتابته من اول يوم 115 ج، ويبدأ السداد بعد فترة سماح لا تزيد عن عام وهو “حساب حرامية عديل” ــ حسب زميلنا (فخر الدين)!
*تعالوا نقرا جزءاً من منشور بنك الخرطوم كمثال فقط، فان البنك يشترط لأن يسدد طالب التمويل 25 % من قيمة القرض المطلوب، ويقوم البنك بتمويل ال 75 % المتبقية، ويبلغ الحد الأدنى للتمويل 300 ألف ج، والأقصى 35 مليون ج، فإذا كانت قيمة القرض 300 ألف ج، فالمقدم المطلوب هو 75 ألف ج، اضافة الى المصروفات الهندسية، والمصروفات القانونية، ومصاريف الرهن، والدمغات الحكومية، اضافة الى شرط اعتماد المقاول من قبل البنك وهو ما يعنى زيادة تكلفة البناء بشكل كبير، مما يجعل القرض مجرد عبث لا طائل منه، وربا مركب، والطامة الكبرى ان فترة القرض لا تزيد عن 15 عاماً بفائدة سنوية تبلغ 15 %، وهى أعلى خمسة أضعاف من أي دولة في العالم (ارحم منها النهب المسلح)، مما يجعل القرض بابا للفساد الا كما كان يحدث خلال العهد البائد، لا يستفيد منه سوى المرابين، وطبقات معينة، وليس الشعب الذي يعاني في أمنه وسكنه ومعيشته وكل شيء (انتهى)!
*توقعنا من حكومة الثورة أن تضع سياسات مختلفة عن السياسات الربوية السابقة تغلق الباب امام الفساد والفاسدين، وتحقق احلام البسطاء الطامحين للعيش الكريم، ولكن ظل الحال المائل على ما هو عليه، وخاب أمل الحالمين، فهنيئاً للمرابين والفاسدين!
الجريدة
التعليقات مغلقة.