زهير السراج يكتب : العملية نجحت!
تمعنوا بالله عليكم ما حدث خلال الايام الماضية في اثنين من المستشفيات الخاصة بدون أن يسأل أحد، أو يسمع أحد أي رد فعل لوزارة الصحة او المجلس الطبي أو أية جهة أخرى ..
قبل اسبوع دخلت طبيبة الأسنان الشابة (وردة) التي لم يمر على زواجها سوى عام واحد الى مركز (بنون) لأطفال الانابيب وأمراض النساء و الولادة بالخرطوم 2، لإجراء عملية تلقيح صناعي لوجود خلل في الانابيب يتسبب في عدم الانجاب، وهي عملية لا تستغرق في أسوأ الحالات أكثر من ساعة ولكنها تجاوزت ثلاث ساعات كاملة، بدون أن يتكرم أحد على أسرتها القلقة التي تجلس في الخارج بأي معلومة عن ما يحدث !
كان برفقتها زوجها وشقيقتها الطبيبة التي ظلت تهرول كلما خرجت ممرضة من غرفة العمليات لتطمئن على شقيقتها الصغرى بدون أن تحصل على إجابة، الى ان تم استدعاؤهم الى غرفة ملاصقة لغرفة الانعاش ليجدوا الطبيب الاستشاري المعروف الذي أجرى العملية فبادرهم بالقول .. “مبروك العملية نجحت”، ويضيف “هللنا وكبرنا .. وجدنا أكثر من 15 بويضة لتخصيبها”، ثم يقول لهم وهم في غمرة الفرح: ” ولكن قلبها توقف. أمر الله… الفاتحة” !
تقول (يارا) شقيقة المرحومة: “على هذا النحو الفج نقل لي الاستشاري الكبير وفاة شقيقتي الوحيدة، ولو كان طبيباً شاباً يافعاً لعذرته ولكنه يقترب من العقد السابع من عمره وصاحب خبرة واجه الكثير من المواقف المماثلة، فهل يعجز عن إخطاري بالطريقة الصحيحة؟”. ثم تواصل: ” بدأت أصيح في وجهه: “مبروك على شنو وتهلل وتكبر في شنو، هي مُش ماتت؟!”، فقال لهم بكل برود : “أنا عملت العملية و نجحت”.
عند ذلك اندفعت (يارا) إلى غرفة الانعاش فرأت جثة شقيقتها على نقالة، ولم يكن في الغرفة جهاز رسم قلب، او مونتير لقياس الأكسجين ومعدل التنفس و ضغط الدم ونبضات القلب، وعندما رآها اختصاصي التخدير أراد أن يوهمها أنه يقوم بعملية تنشيط القلب، بينما كان رأس المرحومة مائلاً على الناحية اليمنى من جسدها وهو وضع لا يتفق مع عملية التنشيط.
سألته عما حدث، فأجاب أن المريضة شكت من ألم في القلب فحقنها بدواء مسكن، يُعطى في العادة قبل العمليات الصغيرة مع المراقبة المعتادة بواسطة جهاز المراقبة (مونتير) الذي يفترض وجوده في أي غرفة عمليات، وعندما صاحت في وجهه “إنتو ما عندكم مونتير”، ذهب الى مخزن وأتى بجهاز مونتير قديم وأخذ ينفض عنه التراب ويردد ” اهو ده مونتير”، وعندما سألته هل كان جالساً بالقرب من المريضة ،أجاب ” مشيت و جيت لقيتا ميتة” !
وقبل حوالي أسبوعين دخلت (سوسن) إلى غرفة العلميات بمستشفى (الرجاء) الخاصة لإجراء عملية إزالة لحمية بالرحم ببنج نصفي، ولكنها صرخت أثناء العملية من آلام الجراحة، فأعطوها جرعة (بنج كامل) وأسكتوها الى الابد، وتركوها في مكانها وذهبوا، وعندما تأخر خروجها وسأل زوجها عنها قالوا له إنها بخير في غرفة الانعاش، فظل منتظراً حتى آخر اليوم وهم يقولون له كل ما سأل انها في الانعاش، وعندما لم يعد قادراً على الانتظار هرول الى غرفة الانعاش ولكنه لم يجدها، فاقتحم غرفة العمليات ليجدها ملقاة على نقالة وميتة منذ أكثر من خمس ساعات كاملة، هل يمكن لأي أحد ان يصدق ذلك ؟!
لا تخل دولة من الاخطاء الطبية، ولكنها لا تمر بدون حساب، ولا تذهب الارواح هدراً وعبثاً، فهنالك من يراقب ويحقق ويعاقب ويحمي الحقوق ويضع الامور في نصابها الصحيح، إلا في بلادنا التي يُدهس فيها المرضى بالأحذية كالحشرات، بينما وزارة الصحة تتفرج!
الجريدة
التعليقات مغلقة.